آداب الزيارة

آداب زيارة قبور الأولياء

إن الأولياء هم أحباب الله الذين قصدوه سبحانه ولم يقصدوا غيره وعاشوا لله وبالله فاجتباهم من خلقه، وهداهم إلى الصراط المستقيم وأكرمهم بالبشرى في الدنيا والآخرة وأبعد عنهم الخوف والحزن، قال تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62- 64]

بل إنه سبحانه قد أعلن الحرب على من عاداهم، جاء في الحديث القدسي: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب([1]).

لذلك كله كان الأولياء هم سادات الوجود ومحل السمع والشهود، بهم يأمن أهل الأرض، ولخاطرهم يرفع البلاء وينزل الغيث ويعم الخير، وبدعائهم تكشف الغمة عن الأمة.

ومن هنا كان حق الأولياء علينا أن نزور أضرحتهم ومقاماتهم، فزيارتهم من أعظم القربات، ومن أجل الطاعات، ومن أحب الأعمال.

وقد ثبتت مشروعية زيارة القبور على وجه العموم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، وقال: زوروا القبور فإنها تذكر بالموت([2]).

وإذا كان هذا الحال في زيارة قبور عامة المسلمين فكيف بزيارة قبور خواصهم من الأولياء والصالحين، جاء في كتاب المدخل لابن الحاج: «تحقق لذوي البصائر والاعتبار أن زيارة قبور الصالحين محبوبة لأجل التبرك مع الاعتبار، فإن بركة الصالحين جارية بعد مماتهم كما كانت في حياتهم والدعاء عند قبور الصالحين والتشفع بهم معمول به عند علمائنا المحققين من أئمة الدين»([3]).

إذن زيارة قبور أولياء الله مشروعة مندوبة، وقد فعلها المسلمون سلفًا عن خلف، ولذلك نجد أن أهل العلم قد وضعوا لها آدبًا يجب على من أراد زيارة قبور أولياء الله أن يتأدب بها،  ومن جملة هذه الآداب:

1- أن يدخل على ولي الله تعالى ببركة ومدد وإذن شيخه الذي ينتسب إليه، معتقدا أن شيخه هو باب الله تعالى وباب رسوله صلى الله عليه وسلم وسائر أولياء الله الصالحين.

2- أن يتشوق الزائر إلى الولي المزور مع الجزم بفضله وطهارته من المعاصي المعنوية والحسية والاعتقاد فيه والتماس بركته.

3- أن يقصد الزائر بزيارته لقبر الولي وجه الله تعالى من غير رياء ولا سمعة.

4- أن يكون غرضه من الزيارة إصلاح فساد قلبه مما علق به من أدران الدنيا وقصد جلوه بزيارة الولي.

5- وأن ينوي التبرك بالولي وبره كما يبر الوالدين.

6- وأن ينوي نفع المزور بما يتلوه عنده من القرآن العظيم والدعاء له.

7- وألا تكون زيارته للقبر لتقضية الوقت والاستمتاع وخاصة إذا كان المقام بعيدًا تقطع له المسافات، فلا يكون حاله في الزيارة كحال من يزور معلمًا سياحيًّا أو ما شابه ذلك.

8-ومن الأدب  في زيارة الأولياء أن يأتي الإنسان بثياب نظيفة، وبطهارة كاملة ورائحة زكية فلا فرق بين زيارة الولي حيًّا أو ميتًا، فالأولياء لا تنقص مرتبتهم بوفاتهم، بل على العكس فإن الولي إذا توفي صار مقامه أعظم ومدده أشمل؛ كيف لا وروحه قد انعتقت من الجسد الفاني.

9-ومن الآداب أيضًا أن يسلم الزائر أول دخوله على الولي صاحب المقام كما يسلم على من يزوره من الأحياء، وذلك لما روى بريدة الأسلمي أن النبي ﷺ كان يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديان ر من المؤمنين والمسلمين([4]).

10- وعلى الزائر أن يحترم الولي في مقامه وأن يلتزم الأدب الكامل والسكينة والخشوع كما يلتزمه مع الولي في حياته، فيجتنب إلقاء نفسه على المقام والتزامه، والتمعك بترابه، فإن ذلك ليس من الأدب، فحرمة الولي ميتًا كحرمته حيًّا. ويستثنى من هذا من غلبه الشوق والوجد عند الزيارة فلا يؤاخذ إن فعل ذلك من تقبيل المقام والستُر والتابوت والعتبة ومسحه على وجهه في حال الوجد.

11- وينبغي للزائر إذا أراد زيارة قبور الأولياء رضي الله عنهم أن يحفظ الحرمـة لهـم والاعتقـاد فـيهم والأدب مع الله تعالى.

12- وعليه أن يقف أمام المقام بكل خشوع وأدب وأن يقرأ فاتحة الكتاب لروح صاحب الضريح بمعنى هبة الثواب له. وأن يقرأ أيضًا سورة الإخلاص أحد عشر مرة، ويهب ثوابها للولي المزور، فعن علي بن أبي طالب أن النبي ﷺ قال: «من مر على المقابر وقرأ قل هو الله إحدى عشرة مرة ، ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات([5]) وأن يقرأ سورة يس لروح الولي، فعن معقل بن يسار منه قال: قال رسول الله ﷺ: اقرءوا على موتاكم سورة يس([6]).

13- وعلى الزائر أن لا يغفل عن الدعاء عند الضريح فإنه مكان نزول الرحمات واستجابة الدعاء، فمثل هذه الأماكن تنزل عليها ملائكة الرحمة ممن لا يعلم عددهم إلا الله تعالى، فقد يوافق تأمينه تأمين الملائكة فتستجاب الدعوات، وعليه أن يتوسل إلى الله سبحانه بالنبي ﷺ وبالولي الذي يزوره، فهو سبب في استجابة دعائه، يقول ابن الحاج: ثم يتوسل بأهل تلك المقابر أعني بالصالحين منهم في قضاء حوائجه ومغفرة ذنوبه، ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولمشايخه ولأقاربه ولأهل تلك المقابر ولأموات المسلمين ولأحيائهم وذريتهم إلى يوم الدين ولمن غاب عنه من إخوانه ويجأر إلى الله تعالى بالدعاء عندهم ويكثر التوسل بهم إلى الله تعالى؛ لأنه سبحانه وتعالى اجتباهم وشرفهم وكرمهم فكما نفع بهم في الدنيا ففي الآخرة أكثر، فمن أراد حاجة فليذهب إليهم ويتوسل بهم، فإنهم الواسطة بين الله تعالى وخلقه، وقد تقرر في الشرع وعلم ما لله تعالى بهم من الاعتناء، وذلك كثير مشهور، وما زال الناس من العلماء، والأكابر كابرا عن كابر مشرقا ومغربا يتبركون بزيارة قبورهم ويجدون بركة ذلك حسا ومعنى([7]).

14- وينبغي على الزائر أن يحافظ على الهدوء والسكينة وتوقير صاحب المقام وخفض الصوت أمامه، وعليه أن يحفظ لسانه وقلبه عند زيارة قبر الولي فلا يخطر على قلبه شيء مما لا يرضي الله سبحانه، فقد قال الأكابر إذا كنت عند العالم فاحفظ قلبك وإذا كنت عند الولي فاحفظ لسانك.

15- وعليه أن يدعو لشيخه ولأهل سلسلته  ولمن سأله الدعاء من أحبابه ومن المريدين ولمن ألهمه الله تعالى الدعاء لهم.

16-ويجب عند نهاية الزيارة أن يستأذن الولي بالذهاب تعظيمًا لمكانته فهو سيد المجلس، وأن يسلم عليه عند الانصراف ولا يخرج بظهره احتراما لصاحب المقام.

هذه بعض الآداب التي ينبغي على الزائر أن يلتزمها وأن يتأدب بها حتى ينال بركة زيارته ويحصل له المدد من الولي المزور.

نسأل الله أن يجعلنا ممن تعلق قلبه بأهل الله وأدام زيارتهم حتى ندخل في دائرة الولاية لله وأحبابه فيرضى عنا مولانا ببركتهم فهي والله الكرامة التي لا كرامة بعدها، والحمد لله رب العالمين.

 

([1]) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب التواضع (6502) من حديث أبي هريرة.

([2]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب استئذان النبي صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل في زيارة قبر أمه (976).

([3]) المدخل (1/ 255) للإمام ابن الحاج العبدري، دار الفكر- بيروت، 1401 هـ- 1981 م.

([4]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (975).

([5]) أخرجه الخلال في فضائل سورة الإخلاص (54).

([6]) أخرجه أبو داود في سننه (3121) وابن ماجه (1448).

([7]) المدخل (1/ 255)

فضل الزيارة

الأولياء هم أهل الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون، وقبورهم بقاع مباركة اختصها الله سبحانه بمزيد فضل وعناية، ولهذا تعلقت بزيارة أضرحة أهل الله القلوب، ولا زالت أفواج العاشقين لهم تترى إلى مراقدهم رضي الله عنهم في كل صقع من أصقاع الأمة، يرجون بذلك الفضل العظيم ويدعون الله عند قبورهم فيستجيب سبحانه لهم الدعاء، ويتوسلون بهم إلى الله فيكرمهم الله غاية الإكرام، ولذلك لم يكن موتهم رضي الله عنهم كأي موت، بل كان حياة لغيرهم يزورون قبورهم فترتقي أرواحهم وتصفو نفوسهم فتكون زيارتهم محطات في هذه الدنيا يستريح فيها المؤمن من ضيق المادة ويعيش في الزيارة سعة الروح وإطلاقها، يخاطب فيها الزائر الولي فيشكو له آلامه وينفس له عن همومه ويشعر بالولي يسمعه فيخرج من عنده وقد التئمت جروحه وزال تعبه، وعلت روحانيته، وقويت همته وزكت نفسه.

ومن كان هذا حاله مع ساداتنا الأولياء أكرمه الله عند زيارتهم غاية الإكرام، ولهذا قصص لا تحصى، روي أن أبا علي النيسابوري قال: كنت في غم شديد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كأنه يقول لي صر إلى قبر يحيى بن يحيى واستغفر وسل تقضَ حاجتك فأصبحت ففعلت ذلك فقضيت حاجتي([1]).

وقد كان الإمام الشافعي يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم، يعني زائرًا، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين، وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده، فما تبعد عني حتى تقضى([2]).

وعن إبراهيم الحربي قال: قبر معروف -أي الكرخي- الترياق المجرب([3]). أي في قضاء الحوائج.

قال إمام السنة الحافظ ابن حبان البستي في كتابه الثقات في ترجمة سيدنا علي بن موسى الرضا عليه السلام  (قبره بسنا باذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد قد زرته مرارا كثيرة وما حلت بي شدة في وقت مقامى بطوس فزرت قبر على بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عنى إلا أستجيب لي وزالت عنى تلك الشدة وهذا شيء جربته مرارا فوجدته كذلك أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه و سلم الله عليه وعليهم أجمعين).

فمن زار هؤلاء الأكابر وتعهدهم بالزيارة كان من حزبهم، فإذا قصدهم بقلبه في الملمات واستغاث بهم أجابوه وإن كان في أقصى الأرض؛ فرضي الله عنهم وأمدنا بمددهم وجعلنا تحت أنظارهم حتى ندخل في دائرة قوله تعالى: (ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ) [ الانعام: 82] والحمد لله رب العالمين.

([1]) تهذيب التهذيب (11/ 299) لابن حجر العسقلاني، مطبعة دائرة المعارف النظامية- الهند، الطبعة الأولى، 1326هـ.

([2]) تاريخ بغداد (1/ 445) للخطيب البغدادي، المحقق: د. بشار عواد، دار الغرب الإسلامي – بيروت، الطبعة الأولى، 2002 م.

([3]) تاريخ بغداد (1/ 445).